أصول العبابدة وتاريخهم

هناك عدد قليل جدا من المصادر المتاحة حول أصول العبابدة، وتتفق جميع المصادر الغربية على أن العبابدة فرع رئيسي من شعب البجا الذي كان شعبًا كوشيًا قديمًا. استقر البجا في الصحراء النوبية في مصر والسودان وأجزاء من إثيوبيا منذ قديم الزمان وكانت تربطهم صلة قرابة وثيقة بقدماء المصريين. ويتجلى هذا في تشابههم الواضح مع الرسومات الباقية للمصريين في عصر ما قبل الأسرات.

5-Giani-Bodini

مصدر الصورة: جيانى بودينى

بيد أن المصادر الإقليمية والمحلية تتبع نسب قبيلة العبابدة الحالية إلى شبه الجزيرة العربية. فهي تشير إلى الزبير بن العوام، ابن عمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على أنه الجد الأعلى للشعب الذي انتشر في الصحراء الشرقية واستقر بين وادي النيل والبحر الأحمر جنوب القصير ومنه تنحدر قبيلة العبابدة الحالية.

يفصل هذا التمييز العرقي والثقافي العبابدة عن البشارية، العشيرة الرئيسية للبجا في جنوب الصحراء النوبية المصرية، فمعظم العبابدة عرب ساميون أكثر منهم كوشيون، ويتحدث العبابدة العربية على الرغم من أنهم احتفظوا بعناصر لغة البجا وعاداتها إلى حد ما، وهم مسلمون سنيون. ويتعارض هذا مع البشارية، الجيران الجنوبيون للعبابدة الذين تتجلى فيهم سمات الكوشية وهم ثنائيو اللغة حيث يتحدثون البجا والعربية، فضلا عن أنهم مسلمون صوفيون.

6.-Samah-AbazaJPG-1

مصدر الصورة: سماح اباظة

6_-Gianni-Bodini

مصدر الصورة: جيانى بودينى

بدأ التصحر يجتاح المنطقة التي يقطنها العبابدة قبل حوالي 5000 عام. وقبل ذلك كانت الأنهار تتدفق من خلالها، وكانت تنبت فيها الغابات وتقطنها حيوانات مثل الفيلة ووحيد القرن والزراف. وتوضح الأدلة الأثرية استمرارية نمط حياة سكانها الذين ينتمون إلى العصر الحجري الحديث وصولًا إلى الشعوب التي سكنت هناك خلال فترة الحكم العربي.

تواصل العبابدة في العصور القديمة مع قدماء المصريين والإغريق والرومان الذين انجذبوا إلى منطقتهم لحفر المناجم الغنية بالمعادن وعثروا على عمل معهم. ومنذ عام 1300 قبل الميلاد، استخرج قدماء المصريون المعادن والصخور النفيسة من الصحراء الشرقية وكان أبرزها الذهب والزمرد.

7-2

في عام 275 قبل الميلاد، شيد بطليموس الثاني مدينة برنيس المطلة على الميناء لاستيراد الأفيال من أفريقيا لاستخدامها في الحروب. وتطورت المدينة إلى مركز تجاري كبير في العصر الروماني. وبُنيت عدة طرق لربط برنيس بمدن وادي النيل إلى أقصى الشمال حتى الموقع الذي تحتله مدينة أشمون اليوم (حتى مدينة أنتينوبوليس القديمة التي أسسها هادريان في عام 130 بعد الميلاد).
لم يغزُ العبابدة أبدًا حضارات وادي النيل ولم يتشبهوا بها، فلطالما كانوا الشعب الذي يسكن الصحراء، وعملوا في كثير من الأحيان عمالًا في المناجم وحراسًا لعمليات التنقيب ومقتفين للأثر وأدلة لطرق القوافل التجارية في المنطقة. وتظل البقايا الأثرية لهذه الأنشطة شاهدًا على تلك الحقبة حتى يومنا هذا، ومن أشهرها معبد سكيت ومناجم الزمرد الرومانية ومرافقها، فضلا عن أجزاء من الطرق الرومانية القديمة.

8-Manfred-Bortoli

مصدر الصورة: مانفرد بورتولى

في القرن الخامس عشر، اندمجوا في الإسلام من خلال التزاوج والعلاقات التجارية مع القبائل العربية المسلمة الوافدة. وفي غضون هذه الفترة احتل العبابدة مكانة بارزة في مرافقة الحجاج من وادي النيل إلى ميناء عيداب، وهو ميناء قديم كان يقع في المكان الذي تحتله حلايب حاليا ومنه يتوجه الحجاج إلى جدة في طريقهم إلى مكة.